تقرير اليونسكو عن العلوم في العالم عام 2010م:
الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي لا يزال متدنيًا!
تولى فريق من الخبراء الدوليين إعداد تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عن العلوم 2010، الذي يقد�'م لمحة عامة عن الاتجاهات العالمية في مجال العلوم والتكنولوجيا، استنادًا إلى مجموعة واسعة من المؤشرات الكمية والنوعية. ويتألف التقرير من عدة فصول تتناول مناطق مختلفة، كالمنطقة العربية، كما أنه يتضمن فقرات تسلط الضوء على بلدان محددة (البرازيل، وكندا، والصين، وكوبا، والهند، وإيران، واليابان، وجمهورية كوريا، والاتحاد الروسي، وتركيا، والولايات المتحدة). وصدرت التقارير السابقة التي أعدتها اليونسكو بشأن العلوم في الأعوام 1993م، و1996م، 1998م و2005م، وأخيرًا تقرير2010م.
وقدم خمسة من معدي التقرير عرضًا لما توصلوا إليه من نتائج في يوم 10 نوفمبر بمناسبة اليوم العالمي للعلوم، الذي ركز هذا العام على دور العلوم في تيسير التقارب بين الشعوب والثقافات من خلال مساهمتها في الارتقاء بمجال �تبادل المعرفة والفهم بين الشعوب�. ومعدي التقرير هم:
• البروفيسور لوك سويت، مدير جامعة الأمم المتحدة ـ مركز ماستريخت لأعمال البحث والتدريب الاقتصادية والاجتماعية المعني بالابتكار والتكنولوجيا، ماستريخت، هولندا.
• البروفيسور منيف الزعبي، المدير العام لأكاديمية العالم الإسلامي للعلوم.
• البروفيسور عثمان خان، المدير التنفيذي السابق للمركز الإفريقي للدراسات التكنولوجية.
• البروفيسور سونيل ماني، رئيس لجنة التخطيط، مركز الدراسات الإنمائية، تريفاندروم، كيرالا، الهند.
• البروفيسور هيرنان شايموفيتش، المسؤول التنفيذي الأعلى لمؤسسة بوتانتان في البرازيل.
العلوم قادرة على رسم ملامح
مستقبل البشرية
في توطئة التقرير، تشير المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، إلى أنها �مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأن التعاون العلمي على المستويين الإقليمي والدولي يشكل عاملًا حاسمًا في التصدي للتحديات المترابطة والمعقدة والمتزايدة التي نواجهها اليوم على المستوى العالمي�. وستتخذ الدبلوماسية الدولية شيئًا فشيئًا شكل دبلوماسية علمية في السنوات المقبلة. وتضيف المديرة العامة أنه �يجب على اليونسكو أن تواصل- بل ستواصل- جهودها الرامية إلى تعزيز الشراكات الدولية والتعاون، وبخاصة التعاون فيما بين بلدان الجنوب. وكان هذا البعد العلمي للعلاقات الدبلوماسية أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى إضافة العلوم إلى المهام المسندة إلى اليونسكو. ويكتسي هذا الأمر أهمية محورية بالنسبة إلى المنظمة اليوم، ذلك لأننا نعيش في عصر تتمتع فيه العلوم بالقدرة على رسم ملامح مستقبل البشرية، وفي عصر لم يعد فيه من المجدي التركيز على الاعتبارات الوطنية لصياغة السياسات العلمية�.
وقد كانت الدول العربية لقرون من الزمن مركزًا للابتكارات الرائدة في مجال العلوم، لكن في ظل ما تشهده أسعار النفط من تقلبات والتوقعات التي تفيد بأن الموارد النفطية ستُستنفد في يوم من الأيام، أدركت الدول المنتجة للنفط والبلدان التي تعتمد على الواردات النفطية أنه سيتعين عليها الاستثمار في مجال الابتكار لضمان أمن البلاد من حيث الغذاء والمياه والطاقة، كما سيتعين عليها بناء اقتصاد مبني على المعرفة.
ويشير التقرير إلى أن مستوى الإنفاق المحلي الإجمالي على البحث والتطوير لا يزال متدنيًا في البلدان العربية، وذلك منذ حوالي أربعة عقود، حيث يتراوح بين 0,1% و1% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنه لا يزال دون المعدل المتوسط على المستوى العالمي. وأضاف التقرير أن متوسط الإنفاق على البحث والتطوير في الدول العربية الإفريقية تراوح بين 0,3% و0,4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2002م. وبلغ المتوسط 0,1% في الدول العربية في آسيا في نفس العام، بينما تراوح المتوسط في الكيان المحتل �إسرائيل� بين 4,6% و4,8% عام 2006م. وفي المقابل، تخصص البلدان التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي حوالى 2,2% من الناتج المحلي الإجمالي لأغراض البحث والتطوير.
ويفيد التقرير أن �التعليم الأساسي لا يكفي لتوليد الثروات ومعالجة الشواغل المتعلقة بتأمين أمن البلدان من حيث الغذاء والمياه والطاقة، ولتحسين الخدمات الصحية والبنى الأساسية، وهو أمر يحتم تنمية الأنشطة العلمية�. وعلى الرغم من هذا الواقع، ثمة إشارات تدل على أن المنطقة تسير باتجاه التغيير.
مؤشرات تدعو إلى التفاؤل
أُنشئ في السنوات الأخيرة عدد من الصناديق الوطنية المعنية بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار، ومنها الصندوق الأوروبي المصري للابتكار الذي استُهل عام 2008م، وصندوقان وطنيان هما مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في الإمارات العربية المتحدة (2007م)، وصندوق الشرق الأوسط للعلوم في الأردن (2009م). ومن المزمع تقديم استراتيجية للعلوم والتكنولوجيا تشمل كل بلدان المنطقة العربية خلال مؤتمر القمة العربية عام 2011 بغية اعتمادها رسميًا. ومن المتوقع أن تعالج هذه الخطة المرتقبة المسألة الهامة المتمثلة في تيسير حراك العلماء في المنطقة وتعزيز التعاون البحثي مع العدد الكبير للعلماء العرب المغتربين. ويُتوقع أيضًا أن تتضمن هذه الاستراتيجية مبادرات وطنية وقومية على حد سواء في حوالي 14 مجالًا من المجالات ذات الأولوية، بما في ذلك المياه والغذاء والزراعة والطاقة. وقد تتضمن الخطة توصية أيضًا بإنشاء مرصد عربي للعلوم والتكنولوجيا على الإنترنت بما أن العامل الحاسم لتنفيذ التدابير على المستوى القطري سيكون في بادئ الأمر تحديد بعض التحديات الوطنية التي تواجهها البلدان العربية.
وفي عام 2006م، أعلنت دولة قطر عن عزمها زيادة حصة الإنفاق المحلي الإجمالي على البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي من (0,33%) إلى (2,8%) في غضون خمس سنوات. ولا يزال الإنفاق المحلي الإجمالي في مصر يناهز (0,23%) منذ عام 2007م، بيد أن الحكومة تنوي زيادة هذه النسبة إلى (1%) في غضون خمس سنوات أيضًا. وفي المقابل، يشهد الإنفاق المحلي الإجمالي على البحث والتطوير في تونس ارتفاعًا مطردًا منذ عام 2000م، واحتلت تونس عام 2007م المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث كثافة أنشطة البحث والتطوير التي تجاوزت بقليل نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وقررت تونس تخصيص 1,25% من الناتج المحلي الإجمالي لتمويل أنشطة البحث والتطوير بحلول عام 2009م، مع الإشارة إلى أن الشركات التجارية ستتحمل 19% من هذا الإنفاق. إلى جانب ذلك، قامت المملكة العربية السعودية التي تحتل المرتبة الخامسة في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد باعتماد خطة وطنية للعلوم والتكنولوجيا عام 2003م. ومع ذلك، لا تزال المملكة في المرتبة ما قبل الأخيرة من حيث الإنفاق على البحث والتطوير المُعب�'ر عنه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي عام 2007م (0,05%، وتليها البحرين مع 0,04%).
ازدياد عدد الباحثين في البلدان النامية
في تقديم التقرير، كتبت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا: �تغي�'ر توزيع جهود البحث والتطوير بين الشمال والجنوب مع دخول عدد من اللاعبين الجدد إلى الاقتصاد العالمي�. وأضافت: �ننتقل شيئًا فشيئًا من عالم ذي قطبين كان يهيمن فيه المثلث المؤلف من أوروبا واليابان والولايات المتحدة على العلوم والتكنولوجيا إلى عالم متعدد الأقطاب تزداد فيه مراكز البحث على محور يمتد اليوم من الشمال إلى الجنوب�.
فقد ارتفعت حصة البلدان النامية من العدد الإجمالي للباحثين من 30% عام 2002 إلى 38% عام 2007، مع الإشارة إلى أن الصين حققت بمفردها ثلثي هذا الارتفاع. وبات هذا البلد الذي كان يعد 400 1423 باحث عام 2007 على وشك التفوق على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء. وأصبح كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين يعد 20% من عدد الباحثين في العالم، وتليهم اليابان (10%) والاتحاد الروسي (7%).
ومع أن البلدان المتقدمة لا تزال تنتج أكبر عدد من المنشورات العلمية على المستوى العالمي، فإن أداء هذه البلدان يتراجع في هذا المجال أيضًا (84% عام 2002، مقابل 75% عام 2008). وارتفعت حصة الصين بأكثر من الضعف خلال هذه الفترة، وقفزت من 5.2 إلى 10.6%، علمًا بأن معدل الاقتباسات المستمدة من الدراسات الصينية لا يزال متدنيًا بالقياس إلى المعدل المُسجل في المثلث (الأمريكي-الأوروبي-الياباني). وسُجل ارتفاع أيضًا في عدد الأبحاث الصادرة عن علميين من أمريكا اللاتينية، وهو ارتفاع نتج بجزء كبير منه عن أداء البرازيل.
ويُعتبر التطوير السريع جدًا الذي تشهده شبكة الإنترنت أحد العوامل التي تساعد على ظهور هذه التحولات، ذلك لأن الإنترنت تمثل أداة قوية لنشر المعارف. ومن الجدير بالذكر أن عدد مستخدمي الإنترنت سجل ارتفاعًا ملحوظًا جدًا بين عامي 2002 و2007 في شتى أنحاء العالم، مع الإشارة إلى أن الارتفاع المُسجل في البلدان الناشئة تجاوز التقد�'م الذي شهدته البلدان الأخرى. وفي عام 2002 كان عدد مستخدمي الإنترنت يتجاوز بقليل 10 مستخدمين لكل مئة نسمة. أما اليوم، فوصل هذا الرقم إلى أكثر من 23 مستخدمًا لكل مئة نسمة. وفي الفترة عينها، ارتفعت هذه النسبة من 1,2 إلى 8% في إفريقيا، ومن 2,8 إلى 16% في الدول العربية، ومن 8,6 إلى 28% في أمريكا اللاتينية. ويشير التقرير إلى أن �الانتشار السريع للإنترنت في بلدان الجنوب هو أحد أكثر الاتجاهات مدعاة إلى التفاؤل في هذا القرن�.
ونتيجةً لهذا الواقع، نجحت الاقتصاديات الناشئة التي كانت تمثل في الماضي وجهة تقصدها البلدان المتقدمة لإنجاز أنشطة البحث والتطوير، في الانتقال إلى عمليات مستقلة في مجال التنمية التكنولوجية والبحوث التطبيقية. ومن الجدير بالذكر أن الصين والبرازيل والهند استهلت عمليات تهدف إلى تحقيق التكافؤ من حيث الأداء الصناعي والعلمي والتكنولوجي في آن واحد. ويتجلى ذلك بوجه خاص في الدور المستجد الذي تضطلع به الشركات المتعددة الجنسيات التابعة للبلدان الناشئة على الساحة العالمية في مجموعة من القطاعات مثل تصنيع السيارات أو إنتاج السلع الاستهلاكية أو صناعات التكنولوجيا المتقدمة مثل تكنولوجيا الملاحة الجوية والفضاء.
هجرة الكفاءات تتواصل
تمكنت بلدان المثلث (الأمريكي-الأوروبي-الياباني) من المحافظة على هيمنتها في مجال براءات الاختراع. ويفيد التقرير أن �مؤشر براءات الاختراع يسترعي الانتباه إلى تفاوت جهود توليد المعارف على المستوى العالمي أكثر من أي مؤشر آخر استُخدم في تقرير اليونسكو عن العلوم�. وتعود حصة الأسد من حيث براءات الاختراع إلى كل من المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية (USPTO) والمكتبين الأوروبي والياباني لبراءات الاختراع، وتجدر الإشارة إلى أن البراءات المسجلة في هذه المكاتب الثلاثة تُعتبر عالية الجودة بصورة عامة.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد الباحثين والعلميين الذين يتم تدريبهم في البلدان النامية، فإن هؤلاء لا يزالون يواجهون المصاعب في إيجاد فرص عمل في بلدهم، مما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة هجرة خريجي الجامعات من بلدان الجنوب إلى بلدان الشمال، وفيما بين بلدان الشمال. وتشتد وطأة هذه المشكلة بوجه خاص في الهند وتركيا وفي بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا. وتفيد التقديرات أن ما لا يقل عن ثلث الباحثين الإفريقيين كانوا يعملون في الخارج عام 2009. ووردت في دراسة بريطانية صدرت عام 2008 بيانات نُقلت عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تشير إلى أن 20 مليون مهاجر من أصل المهاجرين الذين يعيشون في البلدان التابعة للمنظمة المذكورة والبالغ عددهم 59 مليون مهاجر يتمتعون بمهارات عالية جدًا.
ومع أنه يصعب في الوقت الحالي قياس آثار الأزمة المالية التي شهدها عام 2008، يفيد التقرير أن الركود الاقتصادي العالمي قد يؤثر على الميزانيات المخصصة للبحث والتطوير التي عادةً ما يتم خفضها في فترات الأزمات. وقام عدد من الشركات الأمريكية التي تبذل أكبر قدر من الجهود في مجال البحث والتطوير بخفض ميزانياتها بنسب تراوحت بين 5 و25% عام 2009. ويتبين بالتالي أن تأثير الركود العالمي على الولايات المتحدة كان أكثر حدة من التأثير الذي عانت منه البرازيل أو الصين أو الهند، مما أتاح لهذه البلدان أن تلحق بالركب بوتيرة أسرع مما كان يمكن تحقيقه في غياب الأزمة. وأخيرًا، يشدد التقرير على ضرورة تعزيز التعاون العلمي، لاسيما فيما بين بلدان الجنوب.
373 باحثًا عربيًا فقط لكل مليون نسمة
على الرغم من الجامعات المرموقة الموجودة في المنطقة العربية وما حققته بلدان هذه المنطقة في الماضي من ابتكارات علمية أحدثت ثورة في المجال الفكري، فإن الدول العربية تعد ما لا يزيد على 373 باحثًا لكل مليون نسمة، علمًا بأن العدد المتوسط على المستوى العالمي يبلغ 1081 باحثًا. فضلًا عن ذلك، فإن الكثير من العلماء العرب يعيشون في نصف الكرة الغربي، ولا يسهمون بالتالي في الناتج المحلي الإجمالي لبلدانهم. وتجدر الإشارة إلى أن عالمًا واحدًا فقط من أصل أفضل 100 عالم من حيث عدد الاقتباسات على المستوى العالمي ينتمي إلى المنطقة العربية، كما أن هذه المنطقة لم تقدم سوى شخص واحد حائز على جائزة نوبل هو العالم المصري الأصل أحمد زويل الذي نال جائزة نوبل للكيمياء عام 1999م عندما كان يعمل لدى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. وفي الفترة الممتدة من عام 1998م إلى عام 2010م، حازت خمس نساء عربيات فقط على جائزة لوريال - اليونسكو السنوية للنساء في مجال العلوم في إفريقيا والدول العربية، وهُن�' الأستاذة المصرية رشيقة الريدي المختصة في علم المناعة (2010م)، وعالمة الفيزياء المصرية كريمات السيد (2004م)، وعالمة الفيزياء التونسية زهرة بن لخضر (2005م)، وحبيبة بوحامد شعبوني (2007م)، ولحاظ الغزالي من الإمارات العربية المتحدة التي حازت على الجائزة عام (2008م) تقديرًا للعمل الذي اضطلعت به في مجال الأمراض الوراثية.
وما يزيد الأمور سوءًا، حسب التقرير، ارتفاع معدل البطالة في أوساط البحث والتطوير، وبخاصة في صفوف النساء الباحثات اللواتي يشكلن حوالى 35% من العدد الإجمالي للباحثين في الدول العربية، وذلك وفقًا لتقديرات صدرت عن معهد اليونسكو للإحصاء. ويضيف التقرير أن �افتقار عدد كبير من الدول العربية حتى الآن إلى سياسات وطنية خاصة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار يرغم القطاع الخاص في الكثير من الأحيان على الاضطلاع بأنشطته في ظل فراغ على مستوى السياسات، وهي ظروف لا تعتبر مواتية للابتكار�. إلى جانب ذلك، يشكل الأشخاص دون سن الخامسة عشرة أكثر من 30% من سكان الدول العربية. بيد أن ذلك يُعتبر أيضًا بمثابة سيف ذي حدين بالنسبة إلى صانعي القرارات في المنطقة العربية. ومع أنه يمكن للشباب أن يدفعوا عجلة النمو وأن يبنوا مجتمعات حيوية، وبخاصة إذا كانوا حاصلين على تعليم جيد ويتقاضون أجورًا ملائمة، فإن عجز الحكومات العربية عن توسيع نطاق القدرات الإنتاجية اللازمة لخلق الوظائف قد يؤدي إلى خلل في النسيج الاجتماعي. وأفادت تقديرات البنك الدولي لعام 2007م أن المنطقة ستضطر إلى استحداث أكثر من 100 مليون وظيفة بحلول عام 2020م لاستيعاب الشابات والشبان الوافدين إلى سوق العمل.
وتم استهلال عدد من المبادرات لتعزيز العلوم والتكنولوجيا والابتكار في المنطقة، ومنها مركز سيزامي الدولي ذو المواصفات العالمية المختص في استخدام أشعة السنكروترون في الأردن، الذي يُتوقع تشغيله عام 2014 تحت رعاية اليونسكو، وكذلك الجهود الرامية إلى تنمية التكنولوجيا النانومترية والتكنولوجيا المتقدمة في بعض البلدان مثل المغرب ومصر والمملكة العربية السعودية. ولكن التقرير يضيف أن افتقار عدد كبير من الدول العربية حتى الآن إلى سياسات وطنية خاصة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار يرغم القطاع الخاص في الكثير من الأحيان على الاضطلاع بأنشطته في ظل فراغ على مستوى السياسات، وهي ظروف لا تُعتبر مواتية للابتكار. وفي عام 2006م، أنتجت الدول العربية ما لا يزيد على 0,1% من العدد الإجمالي لبراءات الاختراع المسجلة في المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية وفي المكتبين الأوروبي والياباني لبراءات الاختراع. ومن الجدير بالذكر أن مجمعات العلوم التي أنشئت حديثًا في البحرين ومصر والأردن والمغرب وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من شأنها أن تساعد على التصدي لمشكلة مزمنة أخرى تعاني منها المنطقة هي النقص في الروابط بين القطاعين العام والخاص في مجال البحث والتطوير.
فارق شاسع في الإنفاق على العلوم
والدفاع في العالم العربي
وحذر تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) عن العلوم في العالم لعام 2010م من تبعات ضعف الإنفاق العلمي في العالم العربي. وقال التقرير إن �المال السهل� المتأتي من العائدات النفطية هو بمثابة سيف ذي حدين بالنسبة إلى البلدان العربية، ففي حين ساعدت هذه الأموال على تنمية البنية الأساسية في المنطقة �بقيت التنمية القائمة على العلوم والتكنولوجيا مهمشة حتى الآونة الأخيرة، وفي المقابل تعتبر بلدان المنطقة من الدول التي تحتل المراتب الأولى في العالم من حيث الإنفاق على الدفاع�. وذكر معهد ستوكهولم لأبحاث السلام أن حجم إنفاق الدول العربية على صفقات السلاح في عام 2009م بلغ 94 مليار دولار. غير أن التقرير أشار أيضًا إلى أن تصاعد الأعمال الإرهابية في بلدان مثل الجزائر ومصر والأردن والسعودية في فترة من الفترات قد فاقم الأوضاع، وتسبب في أن كثير من الدول وجهت مواردها نحو قضايا أمنية وعسكرية ما زاد من الإنفاق على الدفاع على حساب الموارد المخصصة للتنمية.
-------------------------
المصدر: الموقع الرسمي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (منشورات اليونسكو)